ارحلْ وعاركَ في يديكْ
مازلت تنتظر الجنود العائدينَ..
بلا وجوه.. أو ملامحْ
صاروا علي وجه الزمانِ
خريطةً صماءَ تروي..
ما ارتكبتَ من المآسي.. والمذابحْ
قد كنت تحلمُ أن تصافحهم
ولكن الشواهدَ والمقابرَ لا تصافحْ
إن كنتَ ترجو العفو منهم
كيف للأشلاءِ يوماً أن تسامحْ
بين القبورِ تطل أسماءٌ..
وتسري صرخةٌ خرساءُ
نامت في الجوانحْ
فرقٌ كبيرٌ..
بين سلطانِِ يتوِّجُه الجلالُ
وبين سفاح تطارده الفضائحْ
******
الآن ترحل غيرَ مأسوفِِ عليكْ
في موكبِ التاريخِ
سوفِ يطلُ وجهك
بين تجارِ الدمارِ وعصبةِ الطغيانْ
ارحل وسافرْ..
في كهوفِ الصمتِ والنسيانْ
فالأرضُ تنزع من ثراها
كلَّ سلطان تجبر.. كلَّ وغْدِِ خانْ
الآن تسكر.. والنبيذ الأسود الملعونُ
من دمع الضحايا.. من دمِ الأكفانْ
سيطل وجهك دائماً
في ساحةِ الموتِ الجبانْ
وتري النهايةَ رحلةً سوداءَ
سطرها جنونُ الحقدِ.. والعدوانْ
في كل عصر سوف تبدو قصةً
مجهولةَ العنوانْ
في كل عهدِِ سوف تبدو صورةً
للزيفِ.. والتضليلِ.. والبهتانْ
في كل عصرِِ سوف يبدو
وجهك الموصومُ بالكذبِ الرخيص
فكيف ترجو العفو والغفرانْ
قُلْ لي بربكَ..
كيف تنجو الآن من هذا الهوانْ؟!
ما أسوأَ الإنسانَ..
حين يبيع سرَّ اللَّه للشيطانْ
******
ارحلْ وعاركَ في يديكْ
في قصرك الريفي..
سوف يزورك القتلي بلا استئذانْ
وتري الجنودَ الراحلينَ
شريط أحزانِِ علي الجدرانْ
يتدفقونَ من النوافذِ.. من حقولِ الموتِ
أفواجاً علي الميدانْ
يتسللونَ من الحدائقِ.. والفنادقِ
من جُحُورِ الأرضِ كالطوفانْ
وتري بقاياهمْ بكل مكانْ
ستدور وحدك في جنونِِ
تسألُ الناسَ الأمانْ
أين المفر وكل ما في الأرضِ حولكَ
يُعلن العصيانْ؟!
الناسُ.. والطرقاتُ.. والشهداءُ والقتلي
عويلُ البحر والشطآنْ
والآن لا جيشٌ.. ولا بطشٌ.. ولا سلطانْ
وتعود تسأل عن رجالك: أين راحوا؟
كيف فر الأهلُ.. والأصحابُ.. والجيرانْ؟
يرتد صوتُ الموت يجتاح المدينَةَ
لم يَعُدْ أحدٌ من الأعوانْ
هربوا جميعاً..
بعد أن سرقوا المزادَ.. وكان ما قد كانْ!
ستُطِلُّ خلف الأفق قافلةٌ من الأحزانْ
حشدُ الجنودِ العائدينَ
علي جناحِ الموتِ
أسماءً بلا عنوانْ
صور الضحايا والدماءُ السودُ..
تنزف من مآقيهم بكل مكانْ
أطلالُ بغدادَ الحزينةِ
صرخةُ امرأةِِ تقاومُ خسةَ السجانْ
صوتُ الشهيدِ علي روابي القدسِ..
يقرأ سورةَ الرحمنْ
وعلي امتدادِ الأفقِ
مئذنةٌ بلونِ الفجرِ
في شوقِِ تعانق مريم العذراءَ
يرتفع الأذانْ
الوافدونَ أمام بيتكَ
يرفعون رؤوسهم
وتُطل أيديهم من الأكفانْ
مازلتَ تسأل عن ديانتهم
وأين الشيخُ.. والقديسُ.. والرهبانْ؟
هذي أياديهم تصافحُ بعضَها
وتعود ترفُع رايةَ العصيانْ
يتظاهرُ العربي.. والغربي
والقبطي والبوذي
ضد مجازر الشيطانْ
حين استوي في الأرض خلقُ اللَّه
كان العدل صوتَ اللَّه في الأديان
فتوحدت في كل شيء صورةُ الإيمانْ
وأضاءت الدنيا بنور الحق
في التوراةِ.. والإنجيلِ.. والقرآنْ
اللَّه جل جلاله.. في كل شيء
كرم الإنسانْ
لا فرقَ في لونِِ.. ولا دينِِ
ولا لغةِِ.. ولا أوطانْ
«خلق الإنسان علمه البيان»
الشمسُ والقمر البديعُ
علي سماء الحب يلتقيانْ
العدلُ والحقُ المثابر
والضميرُ.. هدًي لكل زمانْ
كل الذي في الكون يقرأ
سورةَ الإنسانْ..
يرسم صورةَ الإنسانْ..
فاللَّه وحدنا.. وفرق بيننا الطغيانْ
********
فاخلعْ ثيابكَ وارتحلْ
وارحل وعارك في يديكْ
فالأرضُ كل الأرض ساخطةٌ عليكْ